الرسائل التسويقية ليست مجرد إعلانات عابرة. إنها أدوات حيوية تستخدمها العلامات التجارية لبناء مكانة مميزة في عقول الجمهور، وهو ما يُعرف بـ “التموضع الذهني” (Positioning). مهمتك كمدير للعلامة التجارية هي أن تبني هذه المكانة يومًا بعد يوم، حتى تكتمل الصورة الكبرى بعد جهد متسق ومدروس.

يعتبر الترويج أداة قوية لبناء هذا الموقع الذهني. لنأخذ منتج “سنيكرز” كمثال حي. منذ إطلاقه، ركّز هذا المنتج على رسالة تسويقية ثابتة: سد الجوع والإشباع. هذه الرسالة لم تتغير رغم اختلاف الثقافات واللهجات. في منطقتنا، كان الشعار “أنت مش إنت وأنت جعان” يخدم نفس الفكرة الأساسية. صحيح أن الإعلانات تختلف في الموسيقى والممثلين والإنتاج، لكنها جميعًا تصب في نفس الرسالة الرئيسية ولا تخرج أبدًا عن التموضع الذهني المحدد مسبقًا.

ومن الأمثلة: شركة آبل كانت ومازالت تركز على الابتكار والتميز، بينما فولكس فاجن ركزت على البساطة و الموثوقية، وهذا التموضع ظل ثابتًا لعقود ودخل أذهان الجمهور.

يبدو أن الفريق التسويقي، مهما تغيرت عناصره، يواصل إيصال الرسالة الترويجية الأساسية عبر كل الأدوات والقنوات. السؤال الذي يوجههم دائمًا هو: “ماذا تود أن يترسخ في ذهن جمهورك اليوم وغدًا وبعد غد؟”.

لذلك، يجب أن ننظر إلى الإعلان كأداة ترويجية مهمة في بناء التموضع الذهني أولًا، وقبل أن تكون أداة مهمتها دفع الناس للشراء. فما أصعب الموقف عندما يبني الإعلان وجميع الأدوات الأخرى تموضعًا ذهنيًا خاطئًا في عقول الجمهور. تخيل مطعمًا راقيًا ونظيفًا يقدم أطباقًا لذيذة ومبتكرة بأسعار معقولة، لكنه معروف في أذهان الناس بأنه مجرد مطعم عادي. هذه هي المشكلة التي تنشأ عندما لا تكون الرسائل متسقة.

هذا الثبات التسويقي الذي قد يصفه البعض بـ “الجمود”، هو في الحقيقة توجه تسويقي مذهل يخدم بناء التموضع الذهني. تخيل كل المواد التسويقية، والحملات الإعلانية، والأدوات الترويجية تعمل كفريق واحد، تصب في نفس البنيان وعلى مدى زمني طويل. قد تتغير بعض العناصر الإبداعية مثل الصوت والصورة واللون، لكنها دائمًا تخدم الرسالة الرئيسية.

إذاً، نحن نتحدث عن التكرار والوقت كعنصرين أساسيين في بناء التموضع الذهني. لا يمكن بناء مكانة قوية بين عشية وضحاها أو من خلال ثلاثة منشورات على إنستغرام وتغريدة واحدة. فالعلامات التجارية العظيمة تُبنى من خلال استراتيجية ثابتة ورسالة متسقة لا تتزعزع. ويمكن اعتيار عدم تغيير الشعار لفترة زمنية كبيرة هو ثبات تسويقي أيضًا له أهدافه.

0 0 تصويت
Article Rating
إشعارات إلى
guest
0 Comments
الملاحظات المضمنة
إظهار كل التعليقات